جلسات مع وقفات الشيخ فيصل قزار حول شريط أحداث الفتنة

جلسات مع وقفات الشيخ فيصل قزار حول شريط أحداث الفتنة

جلسات مع وقفات الشيخ فيصل قزار حول شريط أحداث الفتنة

للشيخ عدنان عبدالقادر حفظه الله

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .

     فهذه بعض الجلسات مع وقفات الشيخ فيصل قزار حفظه الله وهداه والتي في نظري وعلمي قد جانب الصواب في كثير منها وأنزل الأحكام على غير محالِّها، وقد جاوز المتاح من الألفاظ وتتبع ما يظن أنه من الأخطاء، فأرجو أن لا يكون رد الشيخ فيصل له رواسب غير هذا الشريط، وكل امرؤ حسيب نفسه وعند المحن تظهر كمائن النفوس، ولما قال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأتفرغن لك. قال عمرو : "إذن تشغل، إذن تشغل" أو كما جاء في الأثر .

     وذلك أن المقال فيه من التضخيم والتهويل ما يخيل للقارئ وقوع خطأ فادح من طالب علم صغير لا يفهم، أو رأس من رؤوس أهل البدع! فلا تعجب وتأمل ما اخترته من كلامك الموجه لشيخ من شيوخ الدعوة السلفية :

     جمل من أسلوب الشيخ فيصل هداه الله الموجهة للشيخ عدنان حفظه الله ورعاه

(أخطاء - مخالف لما درج عليه السلف - فسر عبارات السلف بغير مرادهم - إذا كان الخطأ مذاعاً- الرد على المخالف أصلٌ من أصول... -  تعيّن الردّ على ما وقع فيه الشيخ من أخطاء- خاض... - فالخوض إن سلم صاحبه من الإثم لم يترتب عليه فائدة - أقل أحواله أن يكون لغواً - تبين بعد ذلك مخالفة الشيخ لطريقتهم ومنهجهم - وهو عين ما نهى عنه السلف وحذروا منه - فهم كلام السلف على غير وجهه -لا تقره لغة ولا شرع بل هو إلى التحريف أقرب منه إلى التفسير - فما بال الشيخ يخصصه - فهذا ليس من الحكمة والعقل- أنه لا يجوز نشر تلك الأشرطة ولا بيعها على العامة بل يجب إتلافها كما قرره العلماء...الخ ) وبعض تلك العبارات كررت، فأنا أترك الشيخ فيصل والقارئ يحكمان على هذه الألفاظ التي توجه من طالب علم لشيخه الذي سبقه بالعلم والدعوة أكثر من خمسة وعشرين سنة، ويا ليت الصواب مع التلميذ بل مع الشيخ كما سيأتي، ولكن حماس الشباب يحتاج لحكمة الشيوخ، والعاطفة إن لم تلجم بالعلم والحلم تكون عاصفة، فنحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم، وطالب العلم إن ابتدأ أمره بالردود فاته علم كثير، واعلم أن الجزاء من جنس العمل، والعلم له طغيان ورعونات فهوينك على إخوانك فضلاً عن مشايخك فأين إنزال الناس منازلهم، وإجلال صاحب القرآن، وإكرام صاحب العلم، وأين القول والدفع بالتي هي أحسن، والرفق والأناة، وأين ما درست ودرسّت أبناءنا من حلية طالب العلم؟ ألم يمر عليك خفض الجناح والتحلي برونق العلم،  والإعراض عن الهيشات، والتحلي بالرفق، والتأمل والثبات والتثبت، ورعاية حرمة الشيخ. والحذر من الإجهاض الفكري وهو إخراج المعلومة قبل وقتها وإنضاجها، ثم البعد والحذر من نواقض الحلية من الصلف واللسانة وسوء الظن الخ - ولا أعني أنك موصوف بهذه الصفات ولكن ندرسها لنحذرها.

     يا شيخ.. العلم ليس نصوصاً تحفظ وتدرس وليس ردوداً فقط فهذا علم اللسان وهو حجة على صاحبه، إنما العلم هو الخشية المثمرة للعمل الباطن والظاهر والتواضع وهضم النفس واتهامها وحسن الظن بالآخرين، لا سيما المشايخ وحب الخير للمسلمين والشفقة عليهم، ولولا أنك تكلمت لما تكلمنا ولكن بدأت فرددنا وإننا لسنا في الردود مغرمون، وما في أنفسنا من العيوب شغل عن غيرنا، ولكن هذا شيء من حق الشيخ علينا، ونصحاً لأخينا فيصل .

     فأرجو أن يتسع صدرك لهذه الجلسات مع وقفاتك، وأسميتها جلسات ليس لبسط الكلام وتكثيره، ولكن لأن الواقف مندفع ومتأهب ويقال للغضبان الواقف اجلس فإذا جلس هدأ وأنصت وأعاد حساباته .

  • تنبيه قبل الجلوس!

الشيخ فيصل حفظه الله علم أموراً وفاتته أمور وأنزل الكلام على غير أهله ولا مناطه ولا علَّته وساوى بين مختلفين ولو إنا أخذنا بلوازم أقواله وأوصافه وأحكامه لكان أمراً خطيراً ولكن كم مريد للخير لم يبلغه وعلى كل حال أصاب أجراً واحداً إن شاء الله.

  • المصيبة بالإجمال وعدم التفصيل.

مصيبة الناس بالإجمال وعدم التفصيل، فلا بد من تحديد محل النزاع، ونقطة الخلاف، والبعد عن العموميات في الحالات الاستثنائية؛ مثاله في الأحكام كأن يقول الإنسان: الصلاة واجبة في وقتها ويأتي بالآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم، والآخر يجمع الصلاة عند الحاجة ويأتي بالأدلة. فالأول في وضع وحال والآخر كذلك في وضع وحال آخر. وهذا للتقريب وإلا في مسألتنا يكون الاستثناء عند الحاجة واجبة عند وجود سببه كما سيأتي وليس رخصة كالجمع.

 

  • إجمال ما قام به الشيخ عدنان عبدالقادر حفظه الله:

إنه حقق الرد على المخالف على الوجه الصحيح على أهل البدع، لا سيما في مواسم بدعهم. وكذلك حقق كما ذكرت إن كان الخطأ مذاعاً معلناً وجب الرد عليه علانية ولا يكتفي فيه بالسر، وأنت هداك الله حولت المحاسن مساوئ ومنكرات، إلى آخر المصطلحات السابقة، فبالله عليك ألا يوجد الآن من يتعرض لسب الصحابة؟ وذكر ما يروى من القصص الواهية فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم سواء في الفضائيات أو المجلات والأشرطة وأديرة أهل البدع والشبكات العنكبوتية؟!

والناس عموماً يسمعون ويقرؤون ويرون، أفلا يوجد مقتضى وسبب لرد هذه المنكرات والتصدي لها ودفع صائل أهل البدع وكشف الشبه عن العوام وذكر الحقائق ورد الأباطيل وتحصين أهل السنة؟! وهداية من شاء الله من أهل القبلة، بذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة، وذكر محاسنهم والكف عن مساويهم، وهو الأصل ثم ذكر ما يقتضي المقام من هذه الأحداث في وقت محدود وزمان معروف ذباً عن خير القرون وذكراً للجانب المشرق حتى في أحداث الفتن، فإن مَنْ زكَّاهم عَلِمْ ما سوف يحدث منهم، لا كان و لا يكون مثلهم رضي الله عنهم وأرضاهم. هذه مقدمات وإليك الجلسات.

 

  • الجلسة الأولى: مع وقفات الشيخ فيصل.

أقول ما ذكر الشيخ فيصل في الوقفة الأولى مسلمٌّ به، ولا غبار عليه، ولم يخالف فيه أحد، لا الشيخ عدنان ولا غيره، ونصوص السلف واضحة فيه كما ذكرت، وهو من أبجديات عقيدة أهل السنة في الكتب المختصرة، والمطولة، القديمة والحديثة، وأن الأصل الإمساك، ولكن الخلاف في الاستثناء إذا وجد سببه -ولا سيما إنه ما حُرِّم سداً للذريعة يباح للمصلحة الراجحة، بل كان حذيفة رضي الله عنه يسأل عن الشر مخافة أن يدركه، أو أن يقع فيه! فالسؤال هل يجوز الكلام عن هذه الأحداث؟ سواء في كتاب أو فضائية أو انترنت الخ، أو أي وسيلة لإيصال المعلومة الصحيحة، وإزالة الشبهة، وإقامة الحجة، لوجود دواعيه وأسبابه ومقتضياته من هجوم من الداخل والخارج على الصحابة، وتوجيه دعوة أهل الرفض لأهل السنة في مواسمهم المبتدعة وأماكنهم يسمعها القاصي والداني والكبير والصغير، والذكر والأنثى، والسني والبدعي، فتتعلق الشبهات، وتضطرب القلوب مع قلة الثقافة الإسلامية الأصيلة في هذا الموضوع وغيره إلا من رحمه الله ومع رقة الدين لدى البعض، وطغيان الماديات، وانشغال أهل الحق بعضهم ببعض؛ فإليك البراهين عن جواز ذلك يقرره بعض من أهل العلم والله الموفق للصواب:

  1. نقول: لو سكتوا لسكتنا، ولكن تكلموا فرددنا. هذه مقولة تروى عن الإمام الذهبي، وقال في تاريخ الإسلام: "فبالله اسكتوا حتى نسكت، وقولوا: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)".
  2. وهو المهم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المنهاج (1/17): ".. وقال تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله)، وقال تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)-وذكر غيرها من الآيات ثم قال- ولا سيما الكتمان إذا لعن آخر هذه الأمة أولها كما في الأثر "إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فليظهره فإن كاتم العلم يومئذٍ ككاتم ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم"-روي مرفوعاً ولا يصح، وذكر أبو الفرج المقدسي عن علي بن الحسين ما يشابهه كما في كتاب مختصر الحجة، والشيخ لم يذكره مرفوعاً وإنما ذكره استئناساً- ثم قال شيخ الإسلام: "وذلك أن أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقاً وعلماً وعملاً وتبليغاً فالطعن فيهم طعن في الدين موجب للإعراض عما بعث الله به النبيين ".

وقال في المنهاج (4/311): ".. والكلام بلا علم حرام، فلهذا كان الإمساك عمّا شجر بين الصحابة خير من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كان في كثير من الخوض في ذلك أو أكثره كلاماً بلا علم، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوىً ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلاماً بهوى يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟!". ثم قال: ".. فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجباً للوعيد".

وقال في المنهاج (6/254): "الأصل الإمساك –وهذا لا يختلف فيه سلفيان- ولهذا أوصوا بالإمساك عمّا شجر بينهم لأنا لا نسأل عن ذلك كما قال عمر بن عبدالعزيز: "تلك دماءٌ طهر الله منها يدي فلا أحب أن أخضب بها لساني". وقال الآخر: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون". ولكن -انتبه- إن ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل". وهذا الذي فعله الشيخ عدنان ولعله فاتك!

فبالله عليك ألا يوجد من المبتدعة الآن من يتكلم بأحداث الفتن بالباطل، ويشوه الحقائق والمحكمات والثوابت في شتى وسائل الإعلام ويسمعها السني والبدعي؟ الجواب عندك! فما صنعه الشيخ عدنان إلا جزء مما تدعو إليه الدعوة السلفية من التصفية والتربية بمفهومها الواسع ومنها تصفية أحداث التاريخ المهمة، خاصة تاريخ الصحابة خير القرون في أحداث شائكة إلا على المتخصصين، فلكل مقام مقال، ولكل نزال رجال، ولكل كلام بساط حال يحكمه واسمح لي إن أطلت عليك بهذه الجلسة مع الوقفة الأولى لأنها أصل لما بعدها فإن فُهِمَتْ فهماً سليماً، وقُبِلَتْ قبولاً حسناً مع تحري الحق سهلّت بعدها كل الجلسات، وستكثر الإحالة إليها.

 

  • الجلسة الثانية مع الوقفات: وهو السبب الذي من أجله نهى السلف عن الخوض فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم.

أقول: إذا فهم كلام شيخ الإسلام السابق يرتفع الإشكال، لأنا نتكلم عن الحالة الاستثنائية التي قررها شيخ الإسلام، وعمل بمقتضاها، ونحن مسلِّمون للأصل وهو الإمساك، ولكن الشيخ فيصل يتكلم وكأننا في خلافة راشدة، والشوكة لأهل السنة الغرباء، والشريعة محكمة، والحدود قائمة على أهل البدع بالتأديب والتعزير، والناس فيهم العلم والثقافة ما يدفع عنهم الأعادي والأراجيف والشبهات يا شيخ أنت تتكلم عن نفسك ومن حولك من الدعاة الذين هم على علم وهداية، ولكن الكلام عن رأس المال وهم عموم أهل السنة فلنحمد الله على ذلك ونجلب الآخرين إليه، وإليك ما قال الذهبي في السير (3/288) وهو ينطبق على حال من اتضحت له الأمور ومن لا يزال في العماية حيران قال: "فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد إلا غالياً في الحب، مفرطاً في البغض؟ ومن أين يقع الإنصاف والاعتدال فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد تمحص فيه الحق واتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحدٍ من الطائفتين وتبصرنا -كأنه يحكي حالي وحالك- فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك غفور رحيم) وترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد.. وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين". فيا ترى هل الوضوح عند الذهبي وغيره كما لوضوح عند عموم أهل السنة فضلاً عن عامة أهل القبلة الذين هم أيضاً أرضاً للدعوة؟!

 

  • الجلسة الثالثة: عند تأمل ما سبق من كلام شيخ الإسلام يكون الشيخ عدنان غير مخالف لمنهج السلف وطريقتهم، بل هو عين ما ذكره شيخ الإسلام في التكلم عند الحاجة بعلم وعدل، ويكون الشيخ فيصل غفر الله له وهداه  قد استعجل في الحكم على الشيخ عدنان.

وأهمس في أذن الشيخ فيصل: إن السلف ذهبوا لأبعد من ذلك في الحالات الاستثنائية وعند الحاجة حتى فيما يتعلق بصفات الله عز وجل تكلموا بألفاظ لم ترد نصاً في كتاب الله تعالى ولا في السنة ولكن اقتضاها المقام عندما قالوا: "إن القرآن كلام الله غير مخلوق" وإلا لبقوا على أصل الإمساك، كالحال من بعض الوجوه في التكلم فيما شجر بين الصحابة بعلم وعدل.

 

  • الجلسة الرابعة: بداية أذكر نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا)، قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1/34): "روي من حديث ابن مسعود وثوبان وابن عمر وطاوس مرسلاً وكلها ضعيفة الأسانيد ولكن بعضها يشد بعضاً". والحديث يحتاج زيادة تحقيق ولكن نثبته إتباعاً للشيخ رحمه الله، وإن كان معناه صحيح، وهو الأصل الذي ذكرنا في الإمساك، ونطرح سؤال على الشيخ فيصل في اعتراضه للشيخ عدنان بأن المعنى الذي ذكر فيه تحريف ومخالف لما كان عليه السلف.. الخ إذا رجعت لكلام شيخ الإسلام السابق ماذا تفهم؟ يقول لا يتكلم بجهل وباطل وبلا دليل وأنه يتكلم بعلم وعدل وبيان الحق الذي يعلمه أليس هذا من جنس ما قاله الشيخ عدنان وجعلته مخالفاً وأنه أقرب إلى التحريف منه إلى التفسير، ثم ماذا يعني الإمساك عن الكلام بالقدر أليس هو الخوض بالباطل بلا علم ولا دليل، وما الفرق ونحن نتكلم في ذلك للحاجة؟

ولكن يا شيخ فيصل المسألة ربما كما يقول السبكي في قاعدة في الجرح والتعديل (92): "فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها فَيُغيِرَ على الكتاب –أو الشريط- والمؤلف ومن عاشره... مع أن المؤلف لم يرد ذلك الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل".

وكان المفترض أن تحمل كلام أخيك على أحسن المحامل وأحسن الظنون فتضع أمر أخيك على أحسنه ولا تظن بكلمة خرجت منه شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في المدارج (3/521): "والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهم أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عنه". فهذا الكلام لا يحتاج لكثير من التعليق فيما تعرف من سيرة الشيخ عدنان ومذهبه. وما يدعو إليه، هذا لو كان كلاماً خطأً فكيف وهو موافق لما نقل من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

فلنتمهل ولا تكون أحوالنا كالمتتبع للعثرات فهذا الصنيع لمن قصده مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الناهي عن تتبع العورات والزلات عموماً فكيف بالمشايخ فلنستفد منهم ونلتقي بهم فإن اللقاء يذهب سخائم النفوس وانظر ما يشكو منه الإمام الشعبي:"لو أصبت تسعاً وتسعين، وأخطأت واحدة لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين". السير (4/308). وهذا في الخطأ المحقق لا ما نظنه خطأ وليس كذلك.

ثم لا يفهم من كلامي وما نقل عدم ورود الخطأ من العلماء والمشايخ فهذا أصل مفروغ منه لا عصمة في مسائل الدين لأحد بعد الأنبياء والمرسلين وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وفرق بين التقدير والتقديس.

ولكن لو كان هناك خطأ محقق يستدعي الرد يكون من الأكفاء على الأكفاء فنترك المشايخ للمشايخ والعلماء للعلماء وكلٌ يعرف حده هذا أفضل.

وما ذكر في آخر الوقفة الرابعة أن الكلام بعلم واجب في كل أمور الشريعة فما بال الشيخ يخصصه بهذا الباب؟! أقول: من قال أن الشيخ يعني التخصيص الذي فهمت، وهل يعقل أن يقول الشيخ: يجوز التكلم بجهل بغير هذا الباب ولكن ماذا ترد على كلام شيخ الإسلام السابق أن يتكلم بعلم وعدل ولا يتكلم بجهل فإنه حرام فارجع إليه فإن فيه الجواب.

  • الجلسة الخامسة مع وقفات الشيخ فيصل حفظه الله وهداه:

وهو قول الأخ فيصل: إذا قال قائل: "إنما المراد من الكلام هو دفع ما يثار...الخ" وذكر أنه يكفي ذكر فضائلهم -إلا من أتى مستشكلاً.. الخ.

أقول: ما المانع من الجمع بين الحسنيين إذا دعت الحاجة من ذكر فضائل القوم ومناقبهم وعقيدة السلف في ذلك وفيما شجر بينهم، ومن ثم ذكر الروايات الصحيحة ورد القصص المكذوبة ودحض شبه المبتدعين وهذا كله موافق لما أصله شيخ الإسلام فيما سبق له من كلام في الجلسة الأولى.

وهذا مثل الكلام في كثير من أمور العقائد من أسماء الله وصفاته الأصل أن تذكر الآيات والأحاديث وفهم السلف الصالح لها وما تدل عليه من الآثار الجميلة في الأنفس والآفاق ولكن إذا دعت الحاجة العامة والخاصة وما أكثرها في هذا الزمان أن نرد الشبهات ونذكر ما أصله أهل السنة من الردود لأنها خلاف الأصل وما تكلموا إلا عندما ظهر ما يقتضي ذلك كما ولم تُدَرَّس العقيدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما تُدَرَّس الآن وهذا لتغير الزمان والحاجة لذلك.

فيتضح لنا بعد ذلك أنه يوجد شبه وأناس تستشكل عليهم الأمور وتدخل عليهم الأكاذيب فوجب البيان الذي لا ينبغي تأخيره عن وقت الحاجة.

وأنا أتعجب من كلام الشيخ فيصل هداه الله يقول: جاءنا مستشكل فكأننا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه! ودرته مرفوعة على الزائغين فلا بد من تنزيل الأحكام على الواقع المناسب لها فينظر في حال الناس ثم حكم الله في أمثالهم.

 

  • الجلسة السادسة والأخيرة:

وهي من شقين:

الأولى: قوله: ندرة الكتب في هذه المواضيع.

الثانية: ما نقله من فتاوى العلماء بهذا الموضوع.

الرد:

النقطة الأولى: أقول هذا الكلام صحيح لأن الأصل ذكر الفضائل والإمساك عما شجر وحاجة مؤلفات للأصل أكثر من الحاجة للاستثناء مع أن هناك كتب تخدم هذه المسألة وتبين الحق علاوة على كتب التاريخ كالبداية والنهاية وغيرها مثل منهاج السنة لشيخ الإسلام والعواصم من القواصم لابن العربي المالكي والمنتقى للذهبي ومختصر منهاج السنة للغنيمان الفتنة بين الصحابة للشيخ محمد حسان وأيضاً كتاب عن معركة الجمل للشيخ أبا الخيل وحقبة من التاريخ للشيخ عثمان الخميس وتحقيق موقف الصحابة في الفتنة د. محمد امحزون، وغيرها من الكتب والرسائل العامة.

والأشرطة القديمة والحديثة مثل أشرطة الشيخ عبدالله السبت والشيخ عدنان والشيخ عثمان الخميس وغيرهم كلهم على الأصل فلم يخالفوا منهج السلف لا في الأصل ولا في الاستثناء.

بل من مقررات دورة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي زكاها مشايخ من السعودية والكويت وغيرهما تدريس كتاب حقبة من التاريخ للشيخ عثمان الخميس.

النقطة الثانية: ما نقله من فتاوى أهل العلم فأقول: الفتاوى بعد استيعاب ما سبق والاقتناع به فلا تنطبق هذه الفتاوى على الشيخ عدنان وأمثاله ممن ذكر ولا فرق بين وسيلة النشر مسموعة أو مقروءة أو مرئية ولو كان شيخ الإسلام حياً لرد على المبتدعة في هذا الباب وغيره وذكر الحقائق في شتى هذه الوسائل ولكن هذه كانت وسائلهم في ذلك الوقت ولو نزّلنا هذه الفتوى على الشيخ عدنان لانسحبت على جميع من ألف في هذا الموضوع من العلماء والمشايخ سابق ذكرهم ومعهم شيخ الإسلام وهذا ما لا يقوله طالب علم فضلاً عن أن يقوله عالم.

ثم الفتاوى كانت موجهة على شخص معين وحاله معينة ربما تكلم هذا الملقي في غير فنه، أو يذكر الروايات من غير تحقيق، أو لا ينطلق من منهجية السلف في تحقيق المسائل، أو ذكرها ابتداءً من غير مناسبة في غير وقتها، أو مكانها، لا كما ذكرها الشيخ عدنان في شهر محرم ومكان فيه هؤلاء ولهم صولة وجولة وهو من المعتنين بالحديث والعقيدة وغيرهما بل إنه من أكثر من خمسة وعشرين سنة كان يُدَرِس من منهاج السنة لشيخ الإسلام!

 

 

  • الخلاصة:

فخلاصة الكلام اتضح لنا أن الشيخ عدنان عبدالقادر حفظه الله لم يخالف منهج السلف في ذلك بل هو على الجادة، وليس نحن الذين نزكيه ولكن هذا كلام اقتضاه المقام، فالشيخ عدنان قد تكلم بعلم وعدل كحال من تكلم من أهل العلم قديماً وحديثاً سواء بالكتاب أو الشريط أو غيرهما وكان في ذلك إن شاء الله ناصحاً لله ولرسوله ولأمة المسلمين وعامتهم نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحد وما شهدنا إلا بما علمنا من حاله ومقاله.

وأن الشيخ فيصل لم يخالف السلف فيما نقل من أقوالهم تمسكاً بالأصل –ونحسبه ناصحاً والله حسيبه- ولكن استعجل في الرد وربما لم يستشر من هو أعلم وأخبر وحمل الكلام على غير وجهه ولو استفهم من الشيخ لزال الإشكال، واستعمل من الأسلوب والألفاظ والأوصاف ما لا يليق، وتنزيله للفتاوى والأحكام على غير ما يناسب مناطها، فالحكم يدور مع علته وجوداً
وعدماً.

فهذه نهاية الجلسات مع الوقفات وآسف على الإطالة، ونصيحتي لنفسي وإخواني السلفيين وغيرهم، وأخص أخي فيصل أن يتمهلوا بمسألة الردود لا سيما على مشايخهم وأن يتصلوا بهم ويلتقوا بهم حتى تذهب السخائم وتنقشع تحاريش الشيطان فلابد من سلامة الصدور والألسن، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ونسأله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم). والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ).

 

خالد يعقوب الشطي

الكويت 12/2/2009

مقالات علمية آخرى