الرد على المتروك (المقال الأول)
مشاركة على
الرد على المتروك (المقال الأول)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد، فقد كتب الأستاذ المتروك مقالاً في (زيارة القبور) تضمن جملة من الأخطاء. منها المنهج الخطير الذي سلكه في تأصيل المناهج التربوية اعتماداً على روايات يتيمة منكرة ضعيفة من هنا وهناك، ورؤى منامية وحوادث يرد بها الأدلة الشرعية والقطعيات. فهذا المنهج لو عممناه في المناهج التربوية لأبحنا به الزنا واللواط والتعري، ولما قلنا بتفرد الله تعالى بعلم الغيب، ولألغينا من المناهج فضائل آل بيت النبي r كما سيأتي بيانه وذكر الأدلة عليه بإذن الله تعالى فلا تستعجل وتتهمني بالمبالغة. ومن أخطاء ذلك المقال عدم الالتفات إلى مقام النبوة في تفسير القرآن الكريم، ولم يعر آل البيت التفاتاً في ذلك. ولم يسلك طريقة المحققين في إثبات النصوص، ولم يستطع التفريق بين ما شرعه الله تعالى وما شرعته العاطفة والمنامات والحوادث، فجميعهم واحد. ثم نقل قولاً عن الإمام أحمد ظن أنه مفاجأة يقدمها للجان المناهج التربوية ولم يسبق إليها، بينما هو معلوم بعدم صحته لدى مبتدئي طلبة الحنابلة ومشهور بضعفه في أشهر كتب الحنابلة الفقهية. وإليك البيان مستعيناً بالله تعالى.
منهج خطير
لقد انتهج الأستاذ المتروك منهجاً خطيراً في طريقة تأصيل العلم ونسف القواعد والأصول العلمية الصحيحة، إذ أخذ يستدل بالروايات أو السؤالات الشاردة والشاذة والمنكرة والضعيفة والمشتبه فيها ليرد القطعيات والمحكمات التي دلت عليها الآيات والأحاديث التي قام عليها الدين.
فلو سرنا على منهج الأستاذ في طريقة الاستدلال لأبحنا الزنا في المناهج الدراسية. إذ روى الطوسي عن أبي الحسن الطارىء أنه قال: (سألت أبا عبدالله u عن عارية الفرج؟ قال: لا بأس به). [الاستبصار للطوسي (3/141)].
ولأبحنا اللواط في المناهج إذ روى الكليني عن الرضا أنه سأله صفوان بن يحيى: (إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك. قال: وما هي؟ قال الرجل يأتي امرأته في دبرها؟ قال: ذلك له). [الفروع من الكافي (5/40)].
ونحذف من كل المناهج أن الله تعالى وحده الذي يعلم كل ما يحدث في الكون لأنه ورد عن جعفر الصادق t أنه قال: (إني أعلم ما في السموات والأرض، وأعلم ما في الجنة وما في النار، وأعلم ما كان وما يكون). [الأصول من الكافي، كتاب الحجة (1/1261)].
ونلغي من المناهج فضل العباس بن عبدالمطلب t عم رسول الله r لأن الكليني روى عن محمد الباقر t أنه قال: (بقي مع علي t رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام: عباس وعقيل). [الفروع من الكافي، كتاب الروضة]. وورد في رجال الكشي (54) أن الآية (فلبئس المولى ولبئس العشير) نزلت في العباس t، وكذلك الآية (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً) نزلت فيه. [رجال الكشي (52-53)]. عياذاً بالله تعالى، نبرأ إلى الله من هذه المفتريات.
ونلغي من المناهج أن أم كلثوم وزينب ورقية بنات للنبي r لأن حسن الأمين قال: (ذكر المؤرخون أن للنبي r أربع بنات، ولدى التحقيق في النصوص التاريخية لم نجد دليلاً على ثبوت بنوة غير الزهراء منهن، بل كن بنات خديجة من زوجها الأول قبل محمد r). [دائرة المعارف الإسلامية الشيعية (1/27)].
ولأبحنا في المناهج الدراسية للرجال التعري والخروج عراة أمام الرجال، إذ روى الكليني عن عبيدالله الدابقي أنه قال: دخلت حماماً بالمدينة، فإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام فقلت: يا شيخ، لمن هذا الحمام ؟ فقال: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين u . فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم، فقلت: كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل، فيبدأ فيطلي عانته وما يريه، ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني، فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيام: الذي تكره أن أراه قد رأيته. قال: كلا، إن النورة سترته). [الفروع من الكافي، كتاب الزي والتجمل (6/503)].
وهكذا كلما وجدنا أثراً عن السابقين نسفنا النصوص والقواعد الصحيحة! فأحب للأستاذ ما أحب لنفسي أن لا نكون ممن قال الله تعالى فيه (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله). (آل عمران: 7). فنترك المحكمات من أجل بعض الروايات الشاذة أو الضعيفة. وأنا على يقين بأن هذا لا يصح، ولكنها على طريقة الأستاذ المتروك صحيحة.
لم تأت بجديد
الأستاذ المتروك ذكر تلك الرواية عن الإمام أحمد وكأنه ظفر بشيء جديد لم يظفر به من سبقه ولم يعلمه إلا خواص الناس. بينما الطالب المبتدئ في المذهب الحنبلي اليوم يعلم بهذه الرواية وبعدم صحتها من قبل أن يولد الكاتب. فهي مسطورة على أنها مرجوحة في أشهر كتب المذهب الحنبلي كالفروع لابن مفلح والإنصاف للمرداوي. فلم يأت الأستاذ المتروك بجديد. وسيأتي بيانها بإذن الله تعالى.
النهي عن تشييد القبور مخرجها من آل البيت
1- عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب t: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله r: ألاَّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. رواه مسلم. قال الشيخ ملا علي القاري: مشرفاً: أي الذي بني عليه حتى ارتفع. [تحذير الساجد (119)].
2- وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل برسول الله r –أي حين الوفاة- طفق يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). متفق عليه.
3- وعن علي ابن أبي طالب t قال: قال رسول الله r في مرضه الذي مات فيه: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مسجداً). رواه البزار. [المجمع (2/28)].
4- وعن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال رسول الله r (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). رواه سعيد بن منصور.
5- وعن سالم مولى عبدالله بن علي بن الحسين قال: أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال: (لا ترفعوا قبري على الأرض). رواه الدولابي.
فانظر إلى حرص آل البيت في روايتهم للأحاديث التي تحرم وتلعن من شيد القبور وجعلها مساجد، فهل نتبعهم؟
قوله تعالى: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً)
هذا إنكار من الله تعالى على أولئك الذين بنوا عليهم مسجداً. وذلك أنهم كانت لهم الغلبة، إذ كان المصلحون مناوئين لهم رافضين ذلك، ولكن طبقة الملوك كانت هي الغالبة، فظنوا لجهلهم أن هذه قربة فبنوا عليهم مسجداً. ولقد فسرها آل البيت بهذا، إذ روى ابن جرير عن ابن عباس t أن الذي قال ذلك القول: "يعني عدوهم". ابن جرير (14/149). أي المناوؤن للمصلحين. مما يبين ذلك أن أئمة أهل البيت فهموا هذا الفهم ورووا الأحاديث في ذلك. إذ روى آل البيت الأحاديث التي فسرت هذه الآية وهي أن النبي r قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقد سبق بيانه.