الرد على الفارسي ودعوى التخليطات
مشاركة على
|
الرد على الفارسي ودعوى التخليطات
|
الفارسي ودعوى التخليطات
أبدأ جوابي ببعض النصائح لعبد الله الفارسي أولها أن يشغل وقته بما هو نافع له في دنياه وأخراه بدلاً من تضييع وقته بالبحث والتلصص على ما يتوهم أنها عورة لينقض عليها فرحاً فإذا هي ستر مستور، وثانية أن يكثر من قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لاسيما اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 794) والمجموع (27/ 72-76) ليفرق بين الاستغاثة بالقبور وعبادتها وبين الاستشفاع بالقبور بأن تطلب منهم أن يدعوا لك، فاعتبر شيخ الإسلام الأول شركاً أكبر بينما الثاني بدعة وليس شركاً، وثالثة أن لا يتسرع في الرد قبل أن يحكم الاستماع للطرف الآخر ويفهم كلامه، من ذلك ما ادعاه من نسبة إباحة التمثيل إلى الشيخ ابن باز رحمه الله ولم أقل ذلك. ورابعة أن لا يخلط في الفهم كأن يركب فتوى الشيخ ابن عثيمين على الشيخ ابن باز رحمهما الله. وخامسة أن يوسع مداركه ويتسع أفقه وصدره للخلاف الواقع بين العلماء والجهابذة السابقين في مسائل اجتهادية لكل منهم أدلة قوية كصيام الست من شوال والتمثيل. وسادسة أن لا ينسب إلى غيره ما لم يقله كأن يقول أني تضايقت من ضحك بعضهم علي، بينما لم أتلفظ بهذا لا من بعيد ولا من قريب. وسابعة أن يبتعد عن الدسائس والنميمة كما ادعاه من عدم تعليقي على ما ادعي من تفرد علماء المملكة بتحريم الغناء، فإن الدسائس تخرم المروءة وتغضب الرب. وثامنة أن لا ينفث كل ما شحن في قلبه، فإنه بدعاء الله تعالى يذهب وحر الصدر والغل، فعليه بالدعاء النبوي «اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها»، وليستعذ بالله من شرور النفس. وتاسعة أن يحسن انتقاء الألفاظ في خطاب الطرف الآخر فيتجنب الألفاظ النابية منها «البضاعة المزجاة»
و «الضحك عليه» و «التخليطات» و «التناقضات» إذ قال النبي r: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» رواه البخاري في الأدب وصححه الحاكم.
والعاشرة أن يستعمل الألفاظ في مدلولاتها كلفظ «التناقضات» و «التخليطات» إذ لم يأت بتناقض أو تخليط واحد في اعتراضاته.
وجميع هذه النصائح بدت لي لما قرأت مقالته الوحيدة ولم أقرأ له قبلها شيئاً.
البضاعة المزجاة:
البضاعة المزجاة تقال فيمن بضاعته الأحاديث الضعيفة والمكذوبة وفي لَيّ أعناق النصوص، ومن لا سند له من كتاب ولا سنة ولا فهم للسلف الصالح. أما الاحتجاج بالآيات والأحاديث الصحيحة وأقوال الصحابة والتابعين وفهم السلف الصالح، وتقعيد القواعد الشرعية التي تبنى عليها الأحكام والذب عن الدين تسمي بضاعة مزجاة؟ أم لأن فيها بعض المسائل التي قال بها بعض جهابذة العلماء ولكنها لم ترق لك؟ سواء من شوال أو التمثيل أو الطواف بالقبور تبركاً؟ هل هذه بضاعة مزجاة؟ أم بضاعته المزجاة ذاك الذي جمع في مقال واحد صغير عشرة أخطاء متنوعة.
هذا الحكم يقتضي منك توبة نصوحاً توقيراً للنصوص الشرعية والسلف الصالح رضوان الله عليهم والقواعد الشرعية.
الدسيسة على علماء المملكة:
قال الفارسي (نسي عدنان أو تجاهل القول على علماء المملكة): هذا إما سؤال برئ أو دسيسة، فإن كانت دسيسة فإني أوكل الله تعالى أن يجازي الداس ما يستحق، فالله تعالى هو كفيلي ووكيلي فنعم الوكيل ونعم الكفيل. وإن كان سؤالاً بريئاً فجوابه أني لم أشاهد التلفزيون لأني لا أملك في منزلي هذا الجهاز والحمد لله، فلم أشاهد المقابلة. ولم أشاهدها في DVD بالرغم من وصوله إلي لانشغالي. وإنما أخبرت أن المقابلة حول بعض الشبهات التي تدور حول الغناء. واللقاء الذي شاهده عبدالله الفارسي والذي فيه الاحتجاج بأقوال المشايخ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله تعالى كفيل بالرد على هذه الدسيسة.
الضحك:
زعم الفارسي أني غضبت لما ضحك أحدهم علي؟! لم أقل هذا الكلام في المقابلة فأرجو أن يصحح الفارسي سمعه ويراجع المقابلة.
الشيخ ابن باز وحكم التمثيل:
زعم د. الفارسي أني نسبت جواز التمثيل إلى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، ولا أعلم من أين أتى بهذا. فالشيخ ابن باز رحمه الله يرى تحريم التمثيل وكذا المشايخ الألباني وبكر بوزيد وحمود التويجري رحمهم الله تعالى والشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى.
أما الإباحة كحكم عام فقد نسبته إلى الشيخ ابن عثيمين. وقد ذكر ذلك في أكثر من موضع. منها في القول المفيد (3/ 53) في شرح حديث الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى إذ ذكر مجموعة من العبر فقال «فيه جواز التمثيل، وهو أن يتمثل الإنسان بحال ليس هو عليها في الحقيقة، مثل أن يأتي بصورة مسكين وهو غني وما أشبه ذلك إذا كان فيه مصلحة وأراد أن يختبر إنساناً بمثل هذا فله ذلك».
تمثيل الصحابة
ولكن الشيخ ابن عثيمين لا يرى جواز تمثيل النبي r والصحابة ولا الأئمة ولا التمثيل الذي يتضمن محرماً. كما في اللقاء المفتوح.
أما الشيخ محمد رشيد رضا فإنه يرى «جواز تمثيل الصحابة على شكل رواية أدبية خلقية، تظهر محاسن ذلك الصحابي الممثل لأجل الاتعاظ بسيرته ومبادئه العالية، مع التحفظ والتحري لضبط سيرته، دون إخلال بها من أي وجهة كانت».
وقال: «لا يوجد دليل شرعي يمنع تمثيل حياة الصحابة أو أعمالهم الشريفة». فتاوى رشيد (6/ 2348).
ولجنة الأزهر أباحت تمثيل الصحابة كبلال وأنس وغيرهم إلا كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية y وكذا زوجات النبي r. مجلة الأزهر- محرم عام 1379هـ
إذ قالت الفتوى: «عدم جواز ظهور من يمثل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية وأبنائهم y جميعاً لقداستهم ولما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين. أما من لم ينقسم الناس في شأنهم كبلال وأنس وأمثالهما فيجوز ظهور من يمثل شخصياتهم بشرط أن يكون الممثل غير متلبس بما يمس شخصية من يمثله». وكذا قالت الفتوى بعدم جواز تمثيل زوجات النبي r أمهات المؤمنين وأباحت تمثيل التابعين وأتباعهم. المرجع السابق، انظر مجلة البحوث الإسلامية 1/1/1395
الشيخ ابن باز والزكاة:
إن الذي نسبته إلى الشيخ ابن باز هو إباحة دفع الزكاة لمركز إسلامي للدعوة إلى الله تعالى في إحدى الدول وللمجلة التي يصدرها. فأباح في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية (7248) دفعها «لموظفي المركز من سكرتير ومدير وحارس وطباخ ومسؤول إعلانات ومدرسين، وللكهرباء والهاتف والضرائب وللكتب والمجلات التي يصدرها المركز».
وكذا الشيخ محمد بن إبراهيم قال: (يصح أن يصرف فيه من الزكاة هو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله، ولكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، وهذا من أعظم سبل الله». حاشية نيل المآرب (2/460)
صيام شوال:
لا أريد أن أخوض فيه الآن، فقد فصلت القول فيه في جريدة الوطن منذ سنتين وطبع في كتاب منفصل، فمن شاء فليرجع إليه باسم «هل أخطأ من أخذ بقول مالك: لا خصوصية لشوال بصيام الست».
الوصايا:
أما قوله: (ما كل ما يعلم يقال). فهذا معلوم ولكن الذي يقدر ذلك هو الباحث بعد المشورة لا الإملاء عليه. وإلا فإن الأصل هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي قام عليه ديننا العظيم.
وسائل الدعوة وابن عثيمين
أما غمزه بقوله (زعم عبد القادر جواز ما أسماه التمثيل بضوابط «كنوع من وسائل الدعوة»!
فالجواب: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «كلمة الوسائل تدل على أنها ليست
توقيفية ما دامت وسيلة فإننا نسلكها ما لم تكن محرمة، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد. ألسنا نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت؟ هل هذه الوسيلة كانت موجودة في عهد الرسول r؟». ثم ضرب المثل بالنظارة والسماعة. ثم قال: «فالوسائل جائزة، وعلى حسب ما هي وسيلة إليه ما لم تكن ممنوعة بعينها فإنها تمنع. وأنا أحبذ المراكز الصيفية».
ثم قال: «وأكرر لاسيما مع طلبة العلم أن يكون طالب العلم ذهنه واسعاً وتفكيره عميقاً، وألا يأخذ الأمور بظاهرها وسطحيتها، وأن ينظر مقاصد الشريعة وما ترمي إليه من إصلاح الخلق». الباب المفتوح اللقاء الحادي والعشرون
وهو قول الشيخ ابن جبرين رحمه الله.
الطواف بالقبور:
من الطواف بالقبور ما هو شرك أكبر ومنه ما هو محرم وليس بشرك. ولزيادة التوضيح على ما نقله الفارسي عنيّ قلت في الرد على فضيلة د. علي جمعة مفتى مصر فيما يتعلق بالشرك الأكبر ونصه «ومن صوره الطواف بقبور الأنبياء والأولياء والصالحين تقرباً إلى صاحب القبر لكشف ضر ألمّ به أو جلب منفعة أو رفع هم، لا بتأثيره الذاتي وإنما يعتقد فيه سبباً ناقصاً. وهذا النوع قصد أغلب طواف القبور، فمنهم من يعتقد فيه سبباً ذاتياً وهو شرك يتبع النوع الأول، ومنهم من يعتقد فيه سبباً ناقصاً وهذا كذلك شرك لأن الله تعالى غيب والميت غيب، ولكن بالطواف به يتحقق المقصود، وما فعله إلا زلفى كقول المشركين ]ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[.
ثم قلت «الوقفة السابعة: شرك أصغر. وهو محرم لأنه ذريعة إلى الشرك فهو ليس شركاً مخرجاً من الملة... ويدخل في ذلك الطواف بالقبر تبركاً تقرباً إلى الله تعالى لأنه ولي من الأولياء، لا تقرباً إلى صاحب القبر، وهذا ما أظن أن يفعله بهذه النية وهذا القصد أحد. ولكن ذكر من باب التقاسيم والصور المحرمة».
وبعد أن كتبت ذاك الرد وجدت فتوى توافق ما قلت تماماً وهي للجنة العلمية للإفتاء بالسعودية برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى برقم (9879) (1/27). «ولا يجوز الطواف بالقبور، بل هو مختص بالكعبة المشرفة، ومن طاف بها يقصد بذلك التقرب إلى أهلها كان ذلك شركاً أكبر. وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة، فإن القبور لا يطاف حولها ولا يصلى عندها ولو قصد وجه الله». أهـ
وبنفس هذا التقسيم قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاواه (1/ 131-132) فيما يتعلق بالذبح عند القبر هل هو لله أم لصاحب القبر، وكذا فيما يتعلق بالصلاة عند القبور (1/ 132).
بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية (14/ 120): «وما كان كفراً من الأعمال كالسجود للأوثان وسب الرسول r ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزماً لكفر الباطن. وإلا فلو قدر أنه سجد قدام وثن ولم يقصد بقلبه السجود له، بل قصد السجود لله بقلبه لم يكن ذلك كفراً».
ولعله تبين للقارئ الآن من هو أولى بلفظ التخليط والتناقض والبضاعة المزجاة!
والله ولي التوفيق،،