بسم الله الرحمن الرحيم
كلمات حول العمل الصالح في أيام عشر من ذي الحجة:
وأنه خاص في الحج ومتعلقاته، و الأضحية ومتعلقاتها.
1-الشيخ ابن عثيمين "رضي الله عنه"
يفسر ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ أي ثواب العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ومع ذلك يفتي بأن فضل العمل فيها ليس عاماً لجميع الأعمال وإنما خاص فيما وردعن النبي ﷺ فعله في تلك الليلة وهو التهجد و قيام الليل.
وأما تقصد العمرة في تلك الليلة لأن لها ميزة على غيرها من الليالي فهذا لا أصل له[انتهى].
• فلتكن كذلك العشر الأول من ذي الحجة
"ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ".
بأن فضل العمل فيها ليس عاماً لجميع الأعمال وإنما خاص فيما ورد عنه ﷺ فعله فيها وهو:
التضحية (الأضحية ) وإطعامها الناس يوم النحر، الحج وأعماله، خدمة الحجاج من إطعام وسقاية وغيرها، وصلاة العيد لغير الحاج.
2-الشيخ العصيمي:
قال في شرحه للآية ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾:
العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، و "ال" الواردة في كلمة "العمل" هي عهدية؛ أي يراد بها عمل خاص؛ وهو قيامها بالصلاة والقرآن والدعاء لا مطلق العمل.
أما الاستكثار من الأعمال الصالحة المتنوعة فيها غلط في فهم مراد الشرع[ليلة القدر]. انتهى.
فلنطبق هذه القاعدة في عشر ذي الحجة في الحديث: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ".
أن الفضل الوارد فيها عمل خاص الوارد عن النبي ﷺ فعله فيها ؛ لا مطلق العمل.
3- هل ثبت عن النبي ﷺ تخصيص هذه العشر بزيادة في قيام الليل والإكثار من الصلاة وتخصيصها بالصيام وعمارة المسجد خارج أوقات الفريضة؟
أليس لنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة؟
4-فالآيات الواردة في ذي الحجة ( في سورة الحج)
جمعت الأعمال الخاصة بالعشر الأول من ذي الحجة من قول الله سبحانه :﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك﴾ إلى قوله تعالى في الأضاحي ﴿فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها و أطعموا﴾.
وهي: التضحية (الأضحية) وإطعامها الناس يوم النحر، الحج وأعماله، خدمة الحجاج من إطعام وسقاية وغيرها، وصلاة العيد لغير الحاج.
فلخصها النبي ﷺ بقوله :
"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللهِ من هذه". رواه أبو دَاوُدَ فالحديث يلخص ما ورد في القرآن ويبين فضله ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾.
5- أصل شهر ذي الحجة هو:
شعيرة الحج وتوابعها و شعيرة الأضحية التي هي بمثابة نحر قلبك وفؤادك لله؛ نحر ابنك فلذة كبدك كالخليل إبراهيم ﷺ لما استسلم هو و ابنه الوحيد الشاب إسماعيل وعمره 13 عامًا ليضحي به أبوه على كبر عمره 98 عاماً ووضع السكين على رقبته؛ الأب يبكي؛ الابن يبكي ففداه الله بالكبش فضحى به بدلا من تضحيته بابنه.
هذه هي شعيرة ذي الحجة وهي من أعظم الشعائر فمع انتشار جداول الأعمال المتنوعة لأيام العشر من: قيام الليل، و صيام، والإكثار من الصلاة، وعمارة المساجد في أوقات الفريضة ضاعت شعيرة الأضحية العظيمة بين تلك الأعمال.
6- لذا قال ابن تيمية:
"الأضحية أعظم شعائر الإسلام، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباعه".
• لذا قال في قول الله تعالى:
﴿إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر﴾
قال ابن تيمية:"أجل العبادات المالية النحر".
• لذا أظهر النبي ﷺ هذه الشعيرة أعظم إظهار فضحى ب١٠٠ ناقة هدياً.
7-إذا كان العمل الصالح على إطلاقه في العشر الأول من ذي الحجة أفضل:
• إذن يقتضي أن العمرة لمن لا يريد الحج في العشر الأول من ذي الحجة أفضل من العمرة في رمضان !
هل هذا صحيح؟
بينما كان أبو بكر و عمر و عثمان و ابن تيمية يرون لمن يريد عمرة واحدة في السنة ويحج فالأفضل له أن يعتمر في غير أشهر الحج أي لا يعتمر في العشر الأول من ذي الحجة.
• ويقتضي ذلك أن صيام ١ ذي الحجة أفضل من صيام عاشوراء!
هل هذا صحيح؟
• ويقتضي أن من كان مسافرا في رمضان فالأفضل له الفطر ليقضيه في العشر الأول من ذي الحجة.
هل هذا صحيح؟
• ويقتضي أن الذبح تقربا إلى الله تعالى في ١ ذي الحجة أفضل من الأضحية يوم ١١ من ذي الحجة!
هل هذا صحيح؟
إنما المقصد من الحديث "ما من أيام..." إحياء الشعائر الخاصة بهذا الشهر كالحج والأضاحي لئلا ينشغل المسلم بغيرها من الأعمال فتموت هذه الشعائر.
8-القاعدة الأصولية :"إذا كثرت الاستثناءات من النص ضعف الاحتجاج به على العموم".
فإذا استثنينا الأمور المذكورة ضعف الاحتجاج به على عموم الأعمال الصالحة.
إلا إذا قيل : أن المقصود به أعمال خاصة أو مقيدة ؛ وهذا الراجح و الله أعلم.
9- أو يقال أن "ما من أيام العمل" أن( ال) هي عهدية : وهو الأصح، لإخراج سائر الأعمال الأخرى حتى الجهاد.
فإذا كان كذلك:
فالعمل المعهود هو الأعمال الخاصة بهذا الشهر "ذي الحجة" فاسمه يدل على أعمال الحج،
•أما غير الحاج :
فالأضحية والالتزام بشروطها وواجباتها واجتناب محظوراتها وكذا مما يتعلق بالهدي إلى الحرم كما فعل النبي ﷺ حين أرسل هديه مع أبي بكر لينحره.
10-فالمقصد من الحديث "ما من أيام..." هو إحياء الشعائر الخاصة بهذا الشهر:
كالحج والأضاحي لئلا ينشغل المسلم بغيرها من الأعمال فتموت هذه الشعائر فقال النبي ﷺ ذلك ليحقق قول الله الوارد في شعائر الحج ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ لئلا تموت الشعائر بأعمال يمكن فعلها في وقت آخر.
11- مما يدل عليه
أن رجلًا لما سمع قولَ النبي ﷺ: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم" وكان الرجل قد اكتتب في الجهاد، فقال الرجل للنبي ﷺ أن امرأته خرجت حاجة بلا محرم.
فأمره النبي ﷺ أن يحج معها ويترك الجهاد في زمن الحج أي في العشر الأول من ذي الحجة.
ولم يأمره النبي ﷺ بأن يُرجِع امرأته إلى المدينة لينطلق الرجل مجاهدا في العشر الأول من ذي الحجة مع النبي ﷺ؟
لِمَ؟
أليس الجهاد من أفضل الأعمال لا سيما وقد وافق عشر ذي الحجة؟
لكن النبي ﷺ وجّهه وحثه على الحج وقدمه على الجهاد في عشر ذي الحجة لأن هذا وقت للحج ؛ فإذا تساوت المصالح كان حجه أفضل.
12- لذا لما ذكر تعالى في القرآن الأشهر (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت) ذكر الحج والجهاد باختصار ثم فصل فيهما وقدم الحج بالرغم من كون الجهاد أفضل ذلك لأن أداء شعائر شهر ذي الحجة أفضل من الانشغال بغيرها من الأعمال الصالحة.
13-ومما يدل عليه :
قول أم المؤمنين عائشة "(رضي الله عنها)":
"ما صام رسول الله ﷺ العشر قط ". رواه مسلم ولا علة فيه
• أما القول بأن أم المؤمنين عائشة "رضي الله عنها" لم تعلم بصيامه:
كيف؟ وهو ﷺ يوميا يمر عليها نهارا بعد العصر ويجلس عندها وهي تلحظ كل تصرفاته بل تتابعه حتى وهو عند ضرائرها وتتابع ماذا يأكل عندهن وماذا يشرب كما في قصة تحريم العسل على نفسه.
• أما القول بأن قول أم المؤمنين حادثة عين!
فالجواب: بل هي عممت عدم صيامه في العشر:
أ- لأنه نكره ورد في سياق النفي وهو يفيد العموم
"ما صام رسول الله ﷺ العشر قط". رواه مسلم
ب- وزادت "قط" مما يؤكد العموم.
أما حديث فضل صيام تسع ذي الحجة فهو ضعيف مضطرب ضعفه ابن باز والزيلعي والمنذري وابن رجب، في سنده راويان مجهولان٠
14-روى الإمام البخاري الحديث بلفظ ينفي فيه أفضلية أيام العشر على جميع أيام العام.
إذ روى البخاري أنّ رسول اللهِ قال: ”ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه"
•بَوَّب البخاري لهذا الحديث: باب "فضل العمل في أيام التشريق".
•قال ابن حجر : وهذا يقتضي نفي فضل العمل في أيام العشر على العمل "في هذه الأيام"؛ وفسرت [هذه]بأنها أيام التشريق، وعلى ذلك جرى بعض شراح الحديث. ا.هـ
• قال بن أبي جمرة أحد شراح صحيح البخاري :"الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره". ا.هـ
•للعلم : هذا لفظ البخاري في أصح النسخ وهي
تسمى بالنسخة "اليونينية"، وهي التي اعتمدها القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري.
15-بينما أعرض مسلم في صحيحه عن رواية حديث العشر.
قال ابن رجب : "لعل مسلمًا لم يخرجه للاختلاف في إسناده".
قلت : بل وفي متنه؛
أ- إذ أصح الروايات أن الحديث أبهم الأيام فقال "هذه". ففسرها أحد الرواة فقال: أي العشر.
فالعشر ليست من قول النبي ﷺ في أصح الروايات، وإنما من تفسير أحد الرواة.
ب-لفظ البخاري ينفي أفضلية العشر على جميع أيام العام. بل ذكر الحديث في فضل أيام التشريق.
16- يؤكد صحة ما ذهب إليه الإمام البخاري ما رواه أبوداود
عن النبي ﷺ أنه قال :"إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر»؛ صححه الألباني.
يوم النحر: هو العاشر
يوم القر: هو اليوم الحادي عشر.
هذا الحديث يبين أن اليوم الحادي عشر من ذي الحجة أفضل من التسع الأول من ذي الحجة٠
كتبه: عدنان عبدالقادر القادري
لا يعمل البث إلا مع الدروس
يمكنك معرفة المزيد عن خدمة البث المباشر
إضغط هنا