ما حكم زكاة السبائك الذهبية التي نسيت خمسين سنة؟ 

الراجح: أنه ليس فيها زكاة، وذلك لعدة أدلة:

الدليل الأول: يعتبر مالاً ضماراً. إذ مال الضمار هو كل مال غير مقدور الانتفاع به مع قيام أصل الملك. وهو هنا غير قادر على الانتفاع به لنسيانه له، فحال نسيانه له بينه وبين الانتفاع به.

الدليل الثاني: لم يكن المالك غنياً بهذا المال لنسيانه له. فلو لم يملك إلا هذا المال ونسيه فإنه فقير مدة نسيانه له، فكيف يزكي الفقير. فالزكاة لا تجب إلا على الغني. وحاله كحال من كان فقيراً ثم استغنى؛ فلا يقال له: يجب أن تزكي سنوات الفقر بسبب غناك الحالي.

الدليل الثالث: لأنه فقد القدرة على استنمائه لعدم قدرته على التصرف فيه، ولا تجب الزكاة إلا في المال النامي.

الدليل الرابع: اختلت فيه حكمة الزكاة بمواساة الفقراء من قبل غني. إذ لو أخرج زكاة ماله المنسي خمسين عاماً لأمسى بعدها فقيراً، وليس من المواساة أن يخرج زكاة ماله فيصبح بعد إخراجها فقيراً.

الدليل الخامس: شرعت الزكاة على وجه لا يصير به المزكي فقيراً. لكن هذا سيصبح فقيراً إذا أخرج زكاة خمسين سنة لو كان لا يملك إلا هذا المال.

الدليل السادس: الزكاة هي أن يعطي قليلاً من ماله الكثير. بينما الناسي لماله سنين عديدة سيخرج كل ماله زكاة أو سيخرج من ماله الكثير ويبقى القليل، وهذا عكس الزكاة.

الدليل السابع: قياساً على الدين غير مرجو الأداء ثم أُديِّ بعد ذلك. فغير مرجو الأداء لا زكاة فيه لأنه غير مقدور عليه، أو غير مقدور على الوصول إليه أو الانتفاع به. فهذا كذلك غير مقدور الوصول إليه لنسيانه له.

الدليل الثامن: قياساً على المال المفقود لعدم قدرته عليه ثم وجده.

الدليل التاسع: قياساً على المال المدفون إذا نسي موضعه ثم ذكره.

الدليل العاشــــر: قياساً على المال المودع عند من لا يعرفه إذا نسي شخصه سنين ثم ذكره.

الدليل الحادي عشر: قياساً إذا كان المال في محل لا يحاط به، ولا يستطيع الوصول إليه ثم وصل إليه.

الدليل الثاني عشر: بدلالة الأولى. فإذا لم تجب الزكاة في مال هو ذاكر له لكنه نسي مكانه، ولا  في مال هو ذاكر له لكنه نسي المودع عنده، ولا في مال يعلمه ولكن لا يستطيع الوصول إليه؛ فكيف إذا لم يكن ذاكراً له وحال النسيان بينه وبين الوصول إليه.

الدليل الثالث عشر: دلالة الأولى. فمن أقرض غيره وهو ذاكرٌ له ولكنه لم يستطع الوصول إليه وهو المال غير المرجو الأداء. ثم أداه بعد سنين فلا زكاة فيه. وبهذا أفتى أبو حنيفة والشافعي وأحمد وابن تيمية بل وأفتت عائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم بعدم زكاة مال الدين.

فكيف إذا لم يكن ذاكراً له ولم يستطع الوصول إليه لنسيانه له.

الدليل الرابع عشر: قال الله تعالى للمؤمنين عندما دعوه سبحانه ]رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً[ قال الله نعم.  وهذا من أعظم الإصر أن يخرج ماله كله زكاة أو أكثره.

الدليل الخامس عشر: قال الله تعالى ]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[ وهذا من أعظم الحرج أن يخرج أكثر ماله زكاةً لسنين عديدة بسبب نسيانه له؛ وقد أتت الشريعة برفع الحرج.

والله أعلم.